بحـث
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
قراءة فى كتاب العرف
صفحة 1 من اصل 1
قراءة فى كتاب العرف
قراءة فى كتاب العرف
الكتاب عبارة عن محضرة صوتية تم تفريغها فى صورة كتاب مكتوب والمحاضر هو محمد راتب النابلسي ويدور الكتاب حول موضوع العرف حيث استهل النابلسى كتابه بتعريفه بقوله:
"العرف ما اعتاده الناس وساروا عليه من كل فعل شاع بينهم ، أو لفظ تعارفوا على إطلاقه على معنى خاص لا تألفه اللغة ولا يتبادر غيره عند سماعه ، يعني مجموعة أفعال ومجموعة أقوال ألفها الناس فيما بينهم ، تعارفوا عليها ، فعلوها جميعا "
وذكر النابلسى انقسام العرف لعرف عملى وعرف قولى فقال:
"وقد شمل هذا التعريف الذي ذكرته قبل قليل العرف العملي والعرف القولي ، وكل منهما عرف عام وعرف خاص ، العرف العملي : أفعال ، ما اعتاده الناس في أفعالهم العادية أو معاملاتهم المدنية ، مثلا الناس يأكلون في العيد اللحم ، في رمضان لهم أكلات خاصة ، بالعيد معايدة ، عند الموت تعزية ، هذه أفعال اعتادها الناس في معظم البلاد، في الأفراح والأتراح والمناسبات والأعياد ، هناك ألبسة خاصة بالزفاف ، ولديهم ألبسة خاصة ببعض الأحزان .
فالأفعال التي اعتادها الناس وألفوها وتعارفوا عليها وفعلوها جميعا هذا من العرف ، المهر في الزواج معجل ومؤجل هذا من العرف أيضا ، بيع المعاطاة خلاف الشرع ، يعني مثلا كؤوس الشراب ، تشرب كأسا وتضع ليرة ولا تتكلم ولا كلمة فأين الإيجاب والقبول ؟ أتبيعني هذه الكأس بليرتين ؟ يقول لك بعتك هذه الكأس بليرتين ، أين الشهود ، القضية سريعة جدا وتافهة جدا ، فبيع الخسيس لا يحتاج إلى إيجاب وقبول وشهود ، فبيع المعاطاة خلاف حكم الشرع ، لكن العرف أنه بالطرقات يكون بائعو العصير فتدفع وتمشي ولا كلمة ، فهذا عرف عملي .
والعرف القولي ، اللحم يعني : لحم الضأن ، والسمك سمك مع أن السمك لحم ، فكلنا نقول: أكلنا سمكا وأكلنا لحما ، إذا قلنا أكلنا لحما يعني لحم ضأن وما أكلنا سمكا ، فكلمة السمك هي لحم لكن تعني السمك فقط . وكلمة اللحم تعني لحم الخراف فقط أو لحم البقر ، فمثلا كلمة ولد تعني الذكر يقول عندي ولدان ، أما : ووالد وما ولد ، فالولد تعني في اللغة الذكر والأنثى ، أما في العرف الولد الذكر .
إذا : عندنا أعراف قولية ( الولد تعني الذكر ) يقول لك عندي ولدان وبنت ، وهم كلهم أولاد، وهكذا عندنا عرف عملي وعرف قولي ، والعرف العام ما تعارف عليه أغلبية أهل البلدان ، يعني يوم عيد الأضحى بالعالم الإسلامي كله عطلة ، وللمسلمين زيارات فيه ، وألبسة جديدة ، وطعام طيب وحلويات ، هذا عرف عام ، وكل بلد لها أعراف ، لها أكلات معينة ، تقاليد معينة حركات معينة ، وأساليب في التهنئة معينة .
تذهب إلى مصر فتجد عند الولادة أشياء مضحكة ، هنا لا نعرفها نحن ، تذهب إلى قرية فترى أعرافا غير أعراف المدينة ، فالعرف عام أو خاص ، عملي أو قولي "
وبعد أن ذكر هذا التقسيم عاد فقسمها إلى نوعين أخرين على أساس الحل والحرمة فقال:
"وبعد ، فالعرف نوعان : عرف صحيح يؤخذ به ، وعرف فاسد لا يؤخذ به ، ما تعريف العرف الصحيح ؟ ما تعارف الناس عليه دون أن يحرم حلالا أو يحل حراما ، مادام العرف لا يتصادم مع الشرع فهو صحيح ، المرأة لها مهر في القرآن الكريم ولها مهر في السنة ولها مهر في أحكام الفقه لكن نحن تعارفنا أن المهر يقسم إلى قسمين : معجل ومؤخر ، هذا من الأعراف ، ونحن ما صادمنا نصا شرعيا ولا خالفنا فيه حكما شرعيا ، ولا حرمنا به حلالا ولا أحللنا به حراما ، إذا العرف الصحيح هو الذي لم يصادم أمرا محرما أو نهيا محرما .
مثلا إنسان في بيته دعامتان بينهما فراغ ، يعني أراد أن ينشئ في هذا الفراغ مكتبة ، لو دار أقطار الدنيا لا يجد مكتبة عرضها أربعون سنتيمترا وطولها مترين ، لكن في بيته دعامتان بينهما فراغ فأراد أن يستغل هذا الفراغ فيجعله مكتبة ، يأتي بنجار يساومه على صناعة مكتبة في هذا الفراغ ، العرض أربعون سنتيمترا والطول متران ، هذا اسمه بيع الاستصناع ، هذا بيع المعدوم خلاف الشرع لكن العرف أقره لأنه ليس هناك حل آخر ، لا بد من أن تأتي بنجار وأن يصنع لك خزانة في هذا العرض النادر وهذا الطول الطويل ، فبيع الاستصناع عرف لكنه لا يتأذى منه أحد ، نطالب النجار أن الخشب من نوع كذا والفورمايكا من نوع كذا والمسكات من نوع كذا ، ونضع سعرا ونساوم ونتفق ونكتب عقدا فيصنعها ، هذا أيضا من العرف .
يعني الزوجة أحيانا لا يسمح للزوج أن يخرج معها خارج البيت إلا بعد العرس ، مع أنها من يوم العقد أصبحت زوجته ، زوجته بكل معاني الكلمة ولو خلا بها ، ولو ذهب بها إلى بيت فارغ ، هذه زوجته، العقد أبرم وهناك إيجاب وقبول ومهر وشاهدان ، لكن العرف لا يسمح للزوج أن يسافر بزوجته قبل الدخول ، هذا عرف ، كل ما يقدم للزوجة أثناء الخطبة هذه هدايا وليست من المهر ، هذا عرف ، المهر يدفع دفعة واحدة أو يدفع على شكل أثاث، أما إن جاءها بقطعة ذهب أو بثياب أو عطورات فهذه هدايا ، العرف ما تعارف الناس عليه ولا يتصادم مع نصوص الشرع ."
وأقوال النابلسى هنا صحيحة وكان يحب عليه أن بيان أ، العرف فى المهر هو مخالفة لوحى الله فالمهر يكون مدفوع مرة واحدة قبل الدخول كما قال تعالى " ,اتوا النساء صدقاتهن نحلة" وهو معروف القدر وهو قنطار كما قال سبحانه "وإن آتيتم إحداهن قنطارا"
وكذلك الأمر فى خروج الزوج مع زوجته التى تسمى خطيبته فى العرف الشائع فالخروج معها والخلو معها مباح وما يحرمه العرف هو اعتداء على شرع الله وكثيرا ما يؤدى إلى مصائب غالبها العرف المسمى فسخ الخطبة
ثم قسم النابلسى الأعراف تقسيم أخر فقال :
"قلت قبل قليل هناك أعراف عملية ، وأعراف قولية ، وأعراف عامة وأعراف خاصة ، وها أنا ذا أقول لكم لكل أسرة أعراف خاصة ، هناك أكلات خاصة بالأسرة ، وللأب طريقة خاصة في تربية أبنائه ، هذه أعراف خاصة ، لكل قرية عرف خاص ، لكل مدينة عرف خاص ، والأعراف منها عامة ، ومنها أعراف عملية ، ومنها أعراف قولية "
وبعد هذا ذكر أعرافا عند البعض منها:
"إذا ولد للأسرة مولود فيصنعون حبوبا ، وسليقه وهذا من الأعراف، يعني كل حركة من حركات المولود كأن تظهر أسنانه فلديهم أكله معينة وهكذا ، هذا كله من الأعراف "عندما يخترع الناس أحكام من عند انفسهم فى مناسبات معينة فيحددون شيئا معينا طعام فى يوم فهذا اعتداء على شرع الله لأن الله لم يقل بفرض طعام معين فى يوم معين ثم ذكر التالى:
"لكن نحن ما علاقتنا بهذا الدرس ، علاقة الأعراف بالضرورات ، بعد قليل تتضح الأمور ، فلقد تعارف الناس الآن على أن التصوير من لوازم الأعراس ، تأتي بعض النساء كاسيات عاريات بأبهى زينة ، يأتي رجل يصور هذا العرس ، وهذا صار عرفا الآن ، لكن هذا العرف يجب أن يكون تحت أقدامنا فهو عرف فاسد ، إيداع المال في البنوك و أخذ الفوائد هذا عرف فاسد .
يقولون إذا كان المطعم ( خمس نجوم ) لابد أن يكون فيه خمر ، من قال هذا ؟ هذه أعراف، مطعم خمس نجوم لا بد أن يقدم فيه الخمر وإلا لا يعطى الترخيص بخمس نجوم ، يعطى بثلاث نجوم ."
ثم قال الحكم فى العادات التى ذكرها فقال :
من الأعراف مثلا التصوير في الحفلات ، الاختلاط ، الربا ، الفوائد هذه كلها أعراف فاسدة ينبغي أن تسحق تحت أقدامنا ، نحن إذا تحدثنا عن العرف تحدثنا عن عرف يتوافق مع الشرع لا يصادم نصا ، أما حينما يتعارض العرف مع أحكام ديننا لا نعبأ به ولا نقيم له وزنا، وأكثر شيء واضح موضوع الأزياء ، فالأزياء أعراف ، إذا أظهرت الأزياء مفاتن المرأة وحجم أعضائها ، وأظهرت لون أعضائها ، أظهرت مفاتنها الخفية ، هذه أزياء أعراف لكنها تحت أقدامنا ، فهي أعراف فاسدة .
فالمؤمن الصادق ، وها نحن دخلنا رحاب الدرس ، أجل المؤمن الصادق لا يأخذ بالعرف إلا إذا كان وفق منهج الله ، يعني من أعرافنا إذا تم زواج تقام حفلة فهذا جيد ، وليس فيها منكرات، رجال - مديح رسول الله - تقدم ضيافة - تلقى كلمات ، هذا عرف على العين والرأس ولا معصية فيه نلبي هذه الدعوة ، لا اختلاط ، ولا خمور ، ولا غناء ، بل مديح لرسول الله وضيافة وكلمة تلقى حول عقد القران أو سنة النبي في الزواج ، هذه أعراف لكنها مقبولة ، أما لو كان عقد قران مختلط في فندق خمس نجوم توزع فيه الخمور ويؤتى بالراقصات فهذا عرف أيضا ، لكن هذا العرف نركله بأقدامنا .
إذا الأعراف موجودة ، وما اعتاد الناس أن يفعلوه في كل البلاد سواء أكان عرفا عاما أو خاصا من قول أو عمل ، فهذا العرف إن وافق منهج الله فعلى العين والرأس ، وما خالف منهج الله عز وجل لا نعبأ به ولا نأخذ به ولا نقيم له وزنا بل نحاربه أشد المحاربة .
ثم أذكركم أن الأخ الكريم الذي يسمح لزوجته أن تذهب إلى عرس فيه تصوير فهذا الأخ يرتكب أكبر معصية ، لأن هذه الزوجة لا بد من أن ترتدي أجمل ثيابها ولا بد من أن تدعى في هذا العرس لأن تخلع ثيابها الخارجية ، ويأتي المصور فيصور ، وقد يطبع من هذا الفيلم المئات وكل رجل في البيت يرى هذا الفيلم ويقول من هذه ؟ هي في الطريق محجبة لكنها انعتقت من الحجاب في العرس وظهرت في الفيلم ! أعوذ بالله ، هذه الأعراف تحت أقدامنا ، لذلك في العرس تجد شابا مؤمنا مسلما طاهرا مستقيما تربية المسجد فينصمد إلى جانب العروس مع المدعوات جميعا ، وأمامه مائتا امرأة كاسيات عاريات ينظر إليهن ، وكل واحدة شكل وزي ، وهو شاب مؤمن طاهر حافظ لكتاب الله ، أيصح هذا الحال ؟ لا . ثم لا ."
ثم بين النابلسى أن المقياس فى كل عرف هو الشرع فقال:
"فنحن مقياسنا الشرع ، كل من ترك ميزان الشريعة لحظة هلك ، أما إن كان العرس نسائيا واجتمعت النساء وذكرن مولد رسول الله ووزعت الحلوى وألقيت كلمة فهذا عرس إسلامي راق جدا ولا حرج عليهن ، الإسلام ليس ضد الحفلات ولكن ضد المعاصي والآثام .
العلماء قالوا العرف الذي يمكن أن يؤخذ به في الشرع له شروط ، الشرط الأول ألا يعارض نصا شرعيا في القرآن أو في السنة ، والشرط الثاني أن يكون مضطردا غالبا مستمرا العمل فيه في كل الحوادث أو يجري العمل فيه في أغلب الوقائع ، ولذلك فالعرف شيء والإجماع شيء آخر ، إن الإجماع أن يجتمع علماء الأمة ويجمعوا على أمر ، أما العرف فهو عمل عفوي مشترك من دون اجتماع ، الإجماع غير العرف ، الإجماع أقوى بكثير ، الإجماع مجتهدو الأمة اجتمعوا وقرروا ، أما العرف مجموعة من الناس فعلوا شيئا مشتركا فصار عرفا لهم ."
ثم حدثنا عن العرف فى بعض دول الكفر مبينا أنهم يحلون زنى الرجال مع بعضهم وزنى النساء مع بعضهن فى بريطانيا وأنهم يجلون المخدران فى هولنده فقال :
أيها الإخوة :
طبعا الأعراف في بعض التشريعات الوضعية لها قيمة كبيرة وهنا الخطأ الكبير ، يعني إذا شاع الشذوذ في بريطانيا فهذا عرف سيئ يصدر قانون بإباحته ، وإذا شاعت المخدرات في هولندا تأتي الدولة وتوزع المخدرات على المدمنين ، هذه مشكلة كبيرة جدا ، مشكلة خطيرة أن التشريع تابع للواقع ، ما تعارف الناس عليه ولو أنه خطير ولو أنه انحراف شديد يأتي التشريع الوضعي فيقره ، معنى ذلك أن التشريع الوضعي تابع للواقع المنحرف ، الإسلام ليس كذلك ، إذا اتفق الناس على شيء وفق منهج الله لا شيء عليهم ، لكنهم إذا اتفقوا على شيء خلاف منهج الله فهذا شيء مرفوض "
وتحدث النابلسى مبينا ما ظنه قيمة العرف فقال :
"فعظمة هذا الدين أن ليس العرف دليلا شرعيا مستقلا ، هو دليل شرعي إذا اتكأ على دليل فقهي نقبله ، إذا وافق حكما فقهيا أو أمرا شرعيا نقبله ، أما إذا خالف نرفضه وانتهى الأمر .
سيدنا ابن مسعود يقول : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ ، أخذ هذا من الأثر : لا تجتمع أمتي على ضلالة.
يعني أن النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده بينما أمته معصومة بمجموعها ، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة لذلك ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ ، لكني أقف عند كلمة ( ما رآه المسلمون الملتزمون الصادقون ) "
وما قاله هنا خطأ فبين النبى(ص) ليس معصوما من الخطأ وهو عمل الذنوب لقوله تعالى"واستغفر لذنبك" وقوله " إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
النصوص ظاهرة وتمنع العصمة المزعومة فى الذنوب والعصمة هى من أذى الناس كما قال تعالى " والله يعصمك من الناس"
والأمة ليست معصومة من الضلالة فالنبى (ص)والمسلمون معه دافعوا عن المجرم واتهموا البرىء حتى نزل وحى الله ناهيا لهم عن ذلك فقال :
"إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ومن يكسب خطيئة أو إثما ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم"
وبين أن نظرات الناس تختلف فقال:
"لكن بين المسلمين حاليا من يرون أن ارتياد الفنادق في أعياد الميلاد شيء مقبول ، يرونه حسنا ، المقصود المسلم الصادق الملتزم نظرته سليمة ، أما المسلم المتفلت فرؤيته معكوسة ونظره سقيم ."
وحدثنا عن قولة مجنونة هى الثابت بالعرف كالثابت بالنص فقال :
العلماء قالوا الثابت بالعرف كالثابت بالنص ، يعني حاليا تجد عرفا بالحقل التجاري خلاصته أن إنسانا عنده موظف يريد أن ينهي عمله فهناك عرف أن يعطيه عن كل سنة راتب شهر تعويضا ، هذا عرف جيد لا شيء فيه ، وهناك من يعترض على هذا العرف أحيانا ، لكن الحق أنه عرف جيد لأن ذاك العامل يحتاج إلى فترة من الزمن حتى يجد عملا فلا بد له من مبلغ يعيش به وهذا المبلغ هو التعويض .
الثابت بالعرف كالثابت بالنص ، والعادة محكمة أي معمول بها ، لكن واحدا قرأ العادة محكمة والصواب العادة محكمة أي تحكم في التشريع الوضعي وهي العادة التي تتوافق مع الشرع .
وبعد ، عندنا مشكلة وهي أنك قد تقرأ عن حكم شرعي قبل مائتي عام ولم تقبله الآن لأن الأعراف تغيرت ، فأحيانا تبنى الأحكام الشرعية على الأعراف التي لا تخالف التشريعات الإلهية ، فحينما تتبدل هذه الأعراف تتبدل معها الأحكام ، يعني كان قديما العم والد ، والشرع الحكيم لم يعط الأولاد نصيب أبيهم المتوفى في حياة أبيه ، لكن حينما أخذ العم نصيب أخيه فهو ملزم بتربية أولاد أخيه ما امتد به العمر حتى يكبروا ، أما حينما تقاطع الناس وتدابروا وقلت العاطفة بين الأعمام وبين أولاد الأخ جاء التشريع الوضعي فألزم الناس بالوصية الواجبة وهي إذا مات الأب في حياة أبيه يأخذ أولاده حصته من الإرث كما لو كان حيا ،فمن الأعراف أن أولاد الأخ كالأخ تماما ، يعني يربي أولاد أخيه إذا مات كأنهم أولاده تماما ، لكن هناك أعمام يملكون مئات الملايين وأولاد أخيهم لا يملكون ثمن الطعام ولا يلتفت الأعمام إليهم ، فاختلت معايير الأعراف ."
قطعا العرف ليس ثابتا لأن الثابت هو نص الوحى ولا توجد مسألة ليس فيها نص كما قال تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
ومن ثم لا يمكن أن يقول فقيه أن الثابت بالعرف كالثابت بالنص لأنه ينفى وينسف الشرهع بكلمة كهذه
وتحدث النابلسى عن بعد ألأعراف فقال :
"الآن أضع بين أيديكم بعض الأحكام الشرعية التي لها علاقة بالأعراف ، الفواكه والخضراوات تنضج تباعا ، واحد مثلا ضمن حقلا من البطيخ ، البطيخ ينضج خلال تسعين يوما ، وكل يوم يستطيع الإنسان أن يجني ما يملأ سيارة ، فكيف يبيع هذا البطيخ ، النبي اشترط ألا تبيع الثمر إلا إذا بدا صلاحه ، هناك ثمار يتلاحق نضجها، وبعض الخضراوات يتلاحق نضجها ، العرف يقتضي أن تباع دفعة واحدة فتضمن ، إذا هذا استثناء من القاعدة ، العرف يقتضي ذلك ، وقد علمنا أن الفواكه والخضراوات تنضج تباعا ، فإذا حكمنا النص الشرعي أنه لا يجوز أن تبيع شيئا حتى يبدو صلاحه فممنوع أن تبيع هذا الحقل ، حقل البندورة مثلا لأنه ينضج تباعا ، هذه حالة .
النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن أن تباع ثمرة حتى تنضج ، طيب ،"
بداية فى المجتمع المسلم الحقيقى لا توجد مثل هذه البيوع لأن الأرض بكل ما فيها وما عليها تدار من قبل المجتمع ككل والكل يقتسم أرباح العمل فيها بالعدل ولكن فى المجتمعات التى يعاش فيها بدون حكم الله ألزم المسلمين أن يكتبوا التجارة غير الحاضرة ويشهدوا عليها الشهود وهى تجارة الشىء الغائب فى عقد ملزم فقال تعالى :
" إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم "
ومن ثم لا يمكن أن ينهى عن النبى(ص) عن كل التجارة الغائبة ثم قال :
"عقود الاستصناع عقود على أشياء معدومة ، عقود الإيجار .. الإيجار تملكت منفعته لكنك ما تملكت رقبة ، أعطيت الأجرة سلفا مقابل أي شيء ، المعاطاة عقد بيع من دون إيجاب وقبول ، بيع السلم تشتري شيئا ما ظهر بعد ، تشتري قمحا لم ينبت ، تشتري صوفا لم ينبت على ظهر الماشية، فبيع المسلم وعقد الإيجار وعقد الاستصناع وبيع المعاطاة ، مثلا إنسان دخل الحمام دفع الأجرة خمسين ليرة يا ترى كم له أن يبقى في الحمام ؟ ما في شرط ، كم له أن يستهلك من الماء ؟ ما في شرط ، هنا تجد جهالة في الشروط ، قد يجلس الإنسان في مكان يا ترى أيجلس ساعة أو أقل أو أكثر ؟ ليس هناك تحديد ، هذا كله خلاف قواعد الشرع الصارمة ، هذا أيضا من العرف .
أحيانا تستأجر إنسانا بطعامه ، طيب الطعام فيه جهالة ، ماذا سوف تطعمه ؟ يعني هذا عرف الطعام وله وجبة لا تقل عن حد معين ولا تزيد ، وأوضح مثل بيع المعاطاة كما قلت قبل قليل ليس فيه إيجاب وقبول وليس هناك شاهدان ، ليس فيه بعتك وبعتني ، تدفع المبلغ وتأخذ الحاجة وتأكلها وتمشي ، تدفع المبلغ وتشرب الكأس وتمشي .
قد تشتري حاجة ويقال لك معها كفالة سنة ، النبي يقول لا بيع وشرط ، يشترط في بيع هذه الحالة أن تضمن الشركة المقدمة أن تقدم كفالة سنة ، فمثلا بالسيارات يعطون كفالة سنة أو خمسين ألف كيلومتر ، دون خمسين ألف كيلو متر مضمون تصليحها على حساب الشركة أو سنتين ، هذا صار بيع وشرط ، لكن صار في منافسة في البيع ، فهذه الشركة تقدم ضمانة للمشتري أن أي عطب يصيب المركبة دون الخمسين ألف كيلومتر أو قبل سنتين فالتصليح على حساب الشركة ، هذا عرف جرى العمل به وهو مقبول .
أحيانا تشتري قماشا ليخيطه لك الخياط ، صار بيع وشرط ، تشتري قمحا ليطحنه لك الطحان، تشتري طحينا ليخبزه لك الخباز ، فإذا اشتريت شيئا وشرط خبزه أو خياطته هذا صار بيعا وشرطا ، فهذه الأعراف تجيز مخالفة الأحكام الفقهية .
نحن عندنا قاعدة أساسية في الفقه : لا يجوز أن تأخذ أجرا على طاعة ولا على واجب ، فأنت حينما تقرأ القرآن أو تعلم القرآن فهذا واجب لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
خيركم من تعلم القرآن وعلمه .…………(صحيح البخاري 4639)"
القاعدة التى قال النابلسى بوجودها خارجة على وحى الله فكل عمل واجب أو اختيارى بين عدة واجبات عليه أجر لقوله تعالى :
" من جاء بالحسنة فله عشر أمثألها " وفى الرواية أن واجب جماع الأزواج عليه أجر لأنه لو جامع فى الحرام كان عليه وزر
وتحدث النابلسى عن التعليم الحالى فقال:
"أما عمليا نحن عندنا مليون ونصف طالب في القطر في التعليم الإعدادي والثانوي أو مليونا طالب ، فإذا كان كل خمسين طالبا يحتاجون إلى أستاذ فإذا تحتاج إلى خمسمائة أستاذ ديانة ، أفمعقول أن نلزم خمسمائة إنسان أن يعملوا في الأسبوع ستة أيام وكل يوم ست ساعات لوجه الله تعالى ؟ هذا غير معقول ، فكل منهم يحتاج إلى أن يأكل ، يحتاج إلى أن يتزوج وأن يسكن في بيت ، لذلك ينصرف عن التعليم إلى صنعة ، ويبقى الطلاب بلا دين وبلا قرآن وبلا فقه، لذلك فالعرف حاليا يقتضي أن تعطي راتبا لكل من يعلم القرآن ، نحن عندنا شيء اسمه مدرس مادة تربية إسلامية يحمل شهادة في الشريعة ويتعين ويتقاضى راتبا طوال حياته ، أما بحسب الأحكام الفقهية فلا يجوز أن تتقاضى أجرا على أداء عمل أمرك به الشرع ، قد أمرك الله أن تعلم القرآن .
وكذلك المؤذن ؛ فرغنا إنسانا خمسة أوقات ليؤذن ، لو قلت له لا يجوز أن تأخذ على الأذان أجرا يقول لك من أين آكل ؟ إذا يجوز أن نعطي الإمام والمؤذن وكل من يعمل في الحقل الدعوي راتبا يكفي مؤونة التفرغ .
كذلك تجهيز الميت ودفنه عمل تطوعي يفعله المسلمون وهو فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل ، ممكن الآن أن تكفل إنسانا ينتقل من بيت إلى بيت ، وعندنا في الشام ثمانون جنازة كل يوم يتنقل من بيت إلى بيت يغسل ويجهز ويكفن ويدفن لوجه الله ، ليست مقبولة حاليا ، لا بد من موظف في دفن الموتى ، موظف يغسل ، وموظف يؤذن ، وهكذا .
بيع العربون منهي عنه ، لكن أحيانا يكون في ضرر ثابت فأنت يمكن أن تحصل الضرر من هذا العربون ، أما أن تأخذه بلا ضرر فلا يجوز ، النبي عليه الصلاة والسلام قال :
لا ضرر ولا ضرار . (سنن ابن ماجة 2331)"
قطعا الأمثلة المضروبة تدل على خلل فى فهم الإنسان فلا يوجد عمل دون مقابل أى معاش فالرسول (ص) نفسه لم يكن عمل عملا وظيفيا يجلب المال ولذا قرر الله ما يكفى احتياجاته هو وأسرته من الفىء والغنيمة وغيرهم لأنه لو عمل عملا وظيفيا كنجار أو حداد أو تاجر سوف ينشغل عن وظيفة الدعوة من تعليم ودعوة لأنه لن يجد وقتا للتعليم والدعوة وسيجهد بدنيا بسبب ذلك ومن ثم فرواتب وهى أجور المعلمين والآعلاميين وغيرهم من الممارسين لعمل خدمى أجورهم المالية واجبة فى الشرع
ثم قال:
يمكن أن يحصل خلاف في أسعار المحاصيل الكبيرة ، يحددون يوما في هذا اليوم على أي سعر استقر هذا المحصول يكون أساس الحساب ، أيضا هذا وفق العرف ، أنا آتيكم بأمثلة كثيرة كيف أن مصلحة المسلمين استقرت على هذه الأعراف ، مادامت المصلحة استقرت والناس يفعلونه حلا لمشكلة قائمة إذا يمكن أن تستنبط الأحكام الشرعية الاستثنائية من الأعراف.
إن محور الدرس وأساس الدرس أن كل شيء يؤخذ من العرف يجب أن يكون موافقا للشرع، يعني إذا لم يكن موافقا فعلى الأقل ألا يصدم نصا ، يعني هناك أشياء الشرع ما ذكرها لا إيجابا ولا سلبا ، فالأصل في الأشياء الإباحة ، أو الأصل في الأقوال والأفعال الإباحة ، الناس أحيانا يجتمعون وكل إنسان يدفع ألف ليرة في الشهر ، وهم عشرة ، فعشرة آلاف ليرة يعطونها لواحد ، كل شهر يأخذها واحد بالقرعة ، الشرع ما ذكر هذا لا إيجابا ولا سلبا لكن لا شيء فيها مخالف للشرع فهذا عرف ما أحد دفع شيئا زيادة ولا خسر ، ليس فيها يانصيب ، دفع ألفا كل شهر وأخذها دفعة واحدة .
لذلك الأصل في الأشياء الإباحة ، ونضيف على الأشياء الأفعال ، فأفعال كثيرة الأصل فيها الإباحة ، لا يحرم شيء إلا بنص ، عندنا البيع والشراء وقطف الثمار ، عندنا عرف بتضمين الثمار ، عندنا حالات كثيرة والأعراف هي في الحقيقة حل لكل مشكلة ، حل جماعي مقبول ، مادام لا يصادم نصا ولا يعارض أمرا ولا يحل حراما ولا يحرم حلالا إذا فالعرف مقبول ، فصار العرف نوع من الضرورات التي تبيح المحظورات ، يعني ضرورة جماعية والمجتمع حلها على نحو لا يخالف الشرع ، إذا تؤخذ هذه حجة في مخالفة المحظورات .
أحيانا الإنسان يبيع سيارة ويتفق على الثمن ، ويقبض ثمن السيارة ويشترط أن تبقى معه شهرا في الصيف إلى أن ينتهي شهر الصيف فهذا ممكن ، فهو لا بيع ولا شرط لكن تقتضي المصالح ذلك ، هذا إنسان يريد أن يسافر بعد شهر ويريد أن يبيع سيارته ، فإنسان أعجبته السيارة واشتراها بثمن معقول قال له بشرط أن تبقى معي حتى أسافر، ليس من مانع ، أشياء كثيرة يفعلها الناس بحكم العادة والعرف ، وهذه الأشياء لا تصادم نصا ولا تحل حراما ولا تحرم حلالا ، تعد هذه في حكم الضرورات التي تبيح المحظورات ، والعادة محكمة ، والمسلمون عند شروطهم ، والعرف : إذا رأى الناس شيئا حسنا أقرهم الله عليه ، وفي القرآن آيات كثيرة تؤكد العمل بالعرف ، بالمعروف يعني بما تعارف الناس عليه ، يقول لك يا ترى هل على الحلي زكاة ؟ الجواب: الحلي المعدة للاستعمال وما تعارف الناس على قدره لا زكاة فيه عند بعض المذاهب ، يعني امرأة يكون عندها أسوارة وقرط وعقد مثلا فهذا معروف ، أما أن يكون عندها عشرون أسوارة فهذه ليس حليا ، هذا صار مالا ، فالحلي التي تعارف الناس ما كان بحجم معتدل يصلح للاستعمال فهذا معفى من الزكاة عند بعض المذاهب .
والإنسان أحيانا يضعف أمام قوة المجتمع ، وأمام ضغط الأعراف و التقاليد ، فالمؤمن عنده ميزان ، فأي عرف أو أي تقليد خالف منهج الله عز وجل يرفضه ولا يعبأ به ، والنبي دعي إلى حلف الفضول وأثنى عليه ثناء كبيرا ، وهو اتفاق ينص على أن ينصر المظلوم وأن يعطى كل ذي حق حقه وهذا كان في الجاهلية ، قال عليه الصلاة والسلام لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت .
يعني أنت لا تكن بعيدا عن المجتمع ، إذا كان هناك اتفاق تعاون سكني ليس فيه ربا وليس هناك مانع شرعي ، وإذا كان اتفاق لحل مشكلة والناس اجتمعوا وقرروا فلا عليك ، وكل شيء لا يعارض نصا شرعيا ولا يحل حراما ولا يحرم حلالا فليس فيه مانع فلا بأس ، فدائما مقياسك الشرع ، كل من ترك ميزان الشرع من يده لحظة هلك، اجعل الشرع ميزانا ، سواء كان في الزواج ، أو في الولادة فالأعراف كثيرة لازم كأن يقدم الناس كراوية عند الولادة ليس هناك مانع وهذه لا تحل حراما ، مادة مسموحة والضيافة واردة ، وإطعام الطعام وارد، إذا الأعراف في الولادة وفي الزواج والطلاق والحياة والموت ، والسفر ، هذه الأعراف مقياسها الشرع ، فلا نخالف الشرع ولا نحل حراما ولا نحرم حراما وليس هناك مانع ، أما إن كانت تصادم الشرع فيجب أن نقف موقفا شديدا إزاءها .
أساس الأعراف حل لمشكلة حلا جماعيا ، فالشرع عد العرف مصدرا تشريعيا ، العادة محكمة والمسلمون إذا استحسنوا شيئا فالشرع حسنه "
قطعا الأعراف ناتجة من الحياة فى مجتمعات لا تحكم بحكم الله لأن كما سبق القول كل أمر فى الحياة له نص فيه كما قال تعالى "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
ومن ثم فالحل والحرمة فى الأعراف راجع إلى أن مجتمعاتنا التى نعيش فيها هى التى اضطرت الناس فى الغالب للعمل بتلك الأعراف فلو حكم الحكام بشرع الله ما لجأ الناس لاختراع التشريعات التى سموها الأعراف التى هى تحايل على الشرع فى الغالب وتحايل على الحكام للوصول للحصول على ما يكفى الناس من مال للحياة فكما قيل الظلم يولد الظلم ومن ثم لا تنتهى عجلة الظلم إلا بإقامة الشرع كاملا فعند ذلك تتوقف الأعراف عن الخروج للوجود
الكتاب عبارة عن محضرة صوتية تم تفريغها فى صورة كتاب مكتوب والمحاضر هو محمد راتب النابلسي ويدور الكتاب حول موضوع العرف حيث استهل النابلسى كتابه بتعريفه بقوله:
"العرف ما اعتاده الناس وساروا عليه من كل فعل شاع بينهم ، أو لفظ تعارفوا على إطلاقه على معنى خاص لا تألفه اللغة ولا يتبادر غيره عند سماعه ، يعني مجموعة أفعال ومجموعة أقوال ألفها الناس فيما بينهم ، تعارفوا عليها ، فعلوها جميعا "
وذكر النابلسى انقسام العرف لعرف عملى وعرف قولى فقال:
"وقد شمل هذا التعريف الذي ذكرته قبل قليل العرف العملي والعرف القولي ، وكل منهما عرف عام وعرف خاص ، العرف العملي : أفعال ، ما اعتاده الناس في أفعالهم العادية أو معاملاتهم المدنية ، مثلا الناس يأكلون في العيد اللحم ، في رمضان لهم أكلات خاصة ، بالعيد معايدة ، عند الموت تعزية ، هذه أفعال اعتادها الناس في معظم البلاد، في الأفراح والأتراح والمناسبات والأعياد ، هناك ألبسة خاصة بالزفاف ، ولديهم ألبسة خاصة ببعض الأحزان .
فالأفعال التي اعتادها الناس وألفوها وتعارفوا عليها وفعلوها جميعا هذا من العرف ، المهر في الزواج معجل ومؤجل هذا من العرف أيضا ، بيع المعاطاة خلاف الشرع ، يعني مثلا كؤوس الشراب ، تشرب كأسا وتضع ليرة ولا تتكلم ولا كلمة فأين الإيجاب والقبول ؟ أتبيعني هذه الكأس بليرتين ؟ يقول لك بعتك هذه الكأس بليرتين ، أين الشهود ، القضية سريعة جدا وتافهة جدا ، فبيع الخسيس لا يحتاج إلى إيجاب وقبول وشهود ، فبيع المعاطاة خلاف حكم الشرع ، لكن العرف أنه بالطرقات يكون بائعو العصير فتدفع وتمشي ولا كلمة ، فهذا عرف عملي .
والعرف القولي ، اللحم يعني : لحم الضأن ، والسمك سمك مع أن السمك لحم ، فكلنا نقول: أكلنا سمكا وأكلنا لحما ، إذا قلنا أكلنا لحما يعني لحم ضأن وما أكلنا سمكا ، فكلمة السمك هي لحم لكن تعني السمك فقط . وكلمة اللحم تعني لحم الخراف فقط أو لحم البقر ، فمثلا كلمة ولد تعني الذكر يقول عندي ولدان ، أما : ووالد وما ولد ، فالولد تعني في اللغة الذكر والأنثى ، أما في العرف الولد الذكر .
إذا : عندنا أعراف قولية ( الولد تعني الذكر ) يقول لك عندي ولدان وبنت ، وهم كلهم أولاد، وهكذا عندنا عرف عملي وعرف قولي ، والعرف العام ما تعارف عليه أغلبية أهل البلدان ، يعني يوم عيد الأضحى بالعالم الإسلامي كله عطلة ، وللمسلمين زيارات فيه ، وألبسة جديدة ، وطعام طيب وحلويات ، هذا عرف عام ، وكل بلد لها أعراف ، لها أكلات معينة ، تقاليد معينة حركات معينة ، وأساليب في التهنئة معينة .
تذهب إلى مصر فتجد عند الولادة أشياء مضحكة ، هنا لا نعرفها نحن ، تذهب إلى قرية فترى أعرافا غير أعراف المدينة ، فالعرف عام أو خاص ، عملي أو قولي "
وبعد أن ذكر هذا التقسيم عاد فقسمها إلى نوعين أخرين على أساس الحل والحرمة فقال:
"وبعد ، فالعرف نوعان : عرف صحيح يؤخذ به ، وعرف فاسد لا يؤخذ به ، ما تعريف العرف الصحيح ؟ ما تعارف الناس عليه دون أن يحرم حلالا أو يحل حراما ، مادام العرف لا يتصادم مع الشرع فهو صحيح ، المرأة لها مهر في القرآن الكريم ولها مهر في السنة ولها مهر في أحكام الفقه لكن نحن تعارفنا أن المهر يقسم إلى قسمين : معجل ومؤخر ، هذا من الأعراف ، ونحن ما صادمنا نصا شرعيا ولا خالفنا فيه حكما شرعيا ، ولا حرمنا به حلالا ولا أحللنا به حراما ، إذا العرف الصحيح هو الذي لم يصادم أمرا محرما أو نهيا محرما .
مثلا إنسان في بيته دعامتان بينهما فراغ ، يعني أراد أن ينشئ في هذا الفراغ مكتبة ، لو دار أقطار الدنيا لا يجد مكتبة عرضها أربعون سنتيمترا وطولها مترين ، لكن في بيته دعامتان بينهما فراغ فأراد أن يستغل هذا الفراغ فيجعله مكتبة ، يأتي بنجار يساومه على صناعة مكتبة في هذا الفراغ ، العرض أربعون سنتيمترا والطول متران ، هذا اسمه بيع الاستصناع ، هذا بيع المعدوم خلاف الشرع لكن العرف أقره لأنه ليس هناك حل آخر ، لا بد من أن تأتي بنجار وأن يصنع لك خزانة في هذا العرض النادر وهذا الطول الطويل ، فبيع الاستصناع عرف لكنه لا يتأذى منه أحد ، نطالب النجار أن الخشب من نوع كذا والفورمايكا من نوع كذا والمسكات من نوع كذا ، ونضع سعرا ونساوم ونتفق ونكتب عقدا فيصنعها ، هذا أيضا من العرف .
يعني الزوجة أحيانا لا يسمح للزوج أن يخرج معها خارج البيت إلا بعد العرس ، مع أنها من يوم العقد أصبحت زوجته ، زوجته بكل معاني الكلمة ولو خلا بها ، ولو ذهب بها إلى بيت فارغ ، هذه زوجته، العقد أبرم وهناك إيجاب وقبول ومهر وشاهدان ، لكن العرف لا يسمح للزوج أن يسافر بزوجته قبل الدخول ، هذا عرف ، كل ما يقدم للزوجة أثناء الخطبة هذه هدايا وليست من المهر ، هذا عرف ، المهر يدفع دفعة واحدة أو يدفع على شكل أثاث، أما إن جاءها بقطعة ذهب أو بثياب أو عطورات فهذه هدايا ، العرف ما تعارف الناس عليه ولا يتصادم مع نصوص الشرع ."
وأقوال النابلسى هنا صحيحة وكان يحب عليه أن بيان أ، العرف فى المهر هو مخالفة لوحى الله فالمهر يكون مدفوع مرة واحدة قبل الدخول كما قال تعالى " ,اتوا النساء صدقاتهن نحلة" وهو معروف القدر وهو قنطار كما قال سبحانه "وإن آتيتم إحداهن قنطارا"
وكذلك الأمر فى خروج الزوج مع زوجته التى تسمى خطيبته فى العرف الشائع فالخروج معها والخلو معها مباح وما يحرمه العرف هو اعتداء على شرع الله وكثيرا ما يؤدى إلى مصائب غالبها العرف المسمى فسخ الخطبة
ثم قسم النابلسى الأعراف تقسيم أخر فقال :
"قلت قبل قليل هناك أعراف عملية ، وأعراف قولية ، وأعراف عامة وأعراف خاصة ، وها أنا ذا أقول لكم لكل أسرة أعراف خاصة ، هناك أكلات خاصة بالأسرة ، وللأب طريقة خاصة في تربية أبنائه ، هذه أعراف خاصة ، لكل قرية عرف خاص ، لكل مدينة عرف خاص ، والأعراف منها عامة ، ومنها أعراف عملية ، ومنها أعراف قولية "
وبعد هذا ذكر أعرافا عند البعض منها:
"إذا ولد للأسرة مولود فيصنعون حبوبا ، وسليقه وهذا من الأعراف، يعني كل حركة من حركات المولود كأن تظهر أسنانه فلديهم أكله معينة وهكذا ، هذا كله من الأعراف "عندما يخترع الناس أحكام من عند انفسهم فى مناسبات معينة فيحددون شيئا معينا طعام فى يوم فهذا اعتداء على شرع الله لأن الله لم يقل بفرض طعام معين فى يوم معين ثم ذكر التالى:
"لكن نحن ما علاقتنا بهذا الدرس ، علاقة الأعراف بالضرورات ، بعد قليل تتضح الأمور ، فلقد تعارف الناس الآن على أن التصوير من لوازم الأعراس ، تأتي بعض النساء كاسيات عاريات بأبهى زينة ، يأتي رجل يصور هذا العرس ، وهذا صار عرفا الآن ، لكن هذا العرف يجب أن يكون تحت أقدامنا فهو عرف فاسد ، إيداع المال في البنوك و أخذ الفوائد هذا عرف فاسد .
يقولون إذا كان المطعم ( خمس نجوم ) لابد أن يكون فيه خمر ، من قال هذا ؟ هذه أعراف، مطعم خمس نجوم لا بد أن يقدم فيه الخمر وإلا لا يعطى الترخيص بخمس نجوم ، يعطى بثلاث نجوم ."
ثم قال الحكم فى العادات التى ذكرها فقال :
من الأعراف مثلا التصوير في الحفلات ، الاختلاط ، الربا ، الفوائد هذه كلها أعراف فاسدة ينبغي أن تسحق تحت أقدامنا ، نحن إذا تحدثنا عن العرف تحدثنا عن عرف يتوافق مع الشرع لا يصادم نصا ، أما حينما يتعارض العرف مع أحكام ديننا لا نعبأ به ولا نقيم له وزنا، وأكثر شيء واضح موضوع الأزياء ، فالأزياء أعراف ، إذا أظهرت الأزياء مفاتن المرأة وحجم أعضائها ، وأظهرت لون أعضائها ، أظهرت مفاتنها الخفية ، هذه أزياء أعراف لكنها تحت أقدامنا ، فهي أعراف فاسدة .
فالمؤمن الصادق ، وها نحن دخلنا رحاب الدرس ، أجل المؤمن الصادق لا يأخذ بالعرف إلا إذا كان وفق منهج الله ، يعني من أعرافنا إذا تم زواج تقام حفلة فهذا جيد ، وليس فيها منكرات، رجال - مديح رسول الله - تقدم ضيافة - تلقى كلمات ، هذا عرف على العين والرأس ولا معصية فيه نلبي هذه الدعوة ، لا اختلاط ، ولا خمور ، ولا غناء ، بل مديح لرسول الله وضيافة وكلمة تلقى حول عقد القران أو سنة النبي في الزواج ، هذه أعراف لكنها مقبولة ، أما لو كان عقد قران مختلط في فندق خمس نجوم توزع فيه الخمور ويؤتى بالراقصات فهذا عرف أيضا ، لكن هذا العرف نركله بأقدامنا .
إذا الأعراف موجودة ، وما اعتاد الناس أن يفعلوه في كل البلاد سواء أكان عرفا عاما أو خاصا من قول أو عمل ، فهذا العرف إن وافق منهج الله فعلى العين والرأس ، وما خالف منهج الله عز وجل لا نعبأ به ولا نأخذ به ولا نقيم له وزنا بل نحاربه أشد المحاربة .
ثم أذكركم أن الأخ الكريم الذي يسمح لزوجته أن تذهب إلى عرس فيه تصوير فهذا الأخ يرتكب أكبر معصية ، لأن هذه الزوجة لا بد من أن ترتدي أجمل ثيابها ولا بد من أن تدعى في هذا العرس لأن تخلع ثيابها الخارجية ، ويأتي المصور فيصور ، وقد يطبع من هذا الفيلم المئات وكل رجل في البيت يرى هذا الفيلم ويقول من هذه ؟ هي في الطريق محجبة لكنها انعتقت من الحجاب في العرس وظهرت في الفيلم ! أعوذ بالله ، هذه الأعراف تحت أقدامنا ، لذلك في العرس تجد شابا مؤمنا مسلما طاهرا مستقيما تربية المسجد فينصمد إلى جانب العروس مع المدعوات جميعا ، وأمامه مائتا امرأة كاسيات عاريات ينظر إليهن ، وكل واحدة شكل وزي ، وهو شاب مؤمن طاهر حافظ لكتاب الله ، أيصح هذا الحال ؟ لا . ثم لا ."
ثم بين النابلسى أن المقياس فى كل عرف هو الشرع فقال:
"فنحن مقياسنا الشرع ، كل من ترك ميزان الشريعة لحظة هلك ، أما إن كان العرس نسائيا واجتمعت النساء وذكرن مولد رسول الله ووزعت الحلوى وألقيت كلمة فهذا عرس إسلامي راق جدا ولا حرج عليهن ، الإسلام ليس ضد الحفلات ولكن ضد المعاصي والآثام .
العلماء قالوا العرف الذي يمكن أن يؤخذ به في الشرع له شروط ، الشرط الأول ألا يعارض نصا شرعيا في القرآن أو في السنة ، والشرط الثاني أن يكون مضطردا غالبا مستمرا العمل فيه في كل الحوادث أو يجري العمل فيه في أغلب الوقائع ، ولذلك فالعرف شيء والإجماع شيء آخر ، إن الإجماع أن يجتمع علماء الأمة ويجمعوا على أمر ، أما العرف فهو عمل عفوي مشترك من دون اجتماع ، الإجماع غير العرف ، الإجماع أقوى بكثير ، الإجماع مجتهدو الأمة اجتمعوا وقرروا ، أما العرف مجموعة من الناس فعلوا شيئا مشتركا فصار عرفا لهم ."
ثم حدثنا عن العرف فى بعض دول الكفر مبينا أنهم يحلون زنى الرجال مع بعضهم وزنى النساء مع بعضهن فى بريطانيا وأنهم يجلون المخدران فى هولنده فقال :
أيها الإخوة :
طبعا الأعراف في بعض التشريعات الوضعية لها قيمة كبيرة وهنا الخطأ الكبير ، يعني إذا شاع الشذوذ في بريطانيا فهذا عرف سيئ يصدر قانون بإباحته ، وإذا شاعت المخدرات في هولندا تأتي الدولة وتوزع المخدرات على المدمنين ، هذه مشكلة كبيرة جدا ، مشكلة خطيرة أن التشريع تابع للواقع ، ما تعارف الناس عليه ولو أنه خطير ولو أنه انحراف شديد يأتي التشريع الوضعي فيقره ، معنى ذلك أن التشريع الوضعي تابع للواقع المنحرف ، الإسلام ليس كذلك ، إذا اتفق الناس على شيء وفق منهج الله لا شيء عليهم ، لكنهم إذا اتفقوا على شيء خلاف منهج الله فهذا شيء مرفوض "
وتحدث النابلسى مبينا ما ظنه قيمة العرف فقال :
"فعظمة هذا الدين أن ليس العرف دليلا شرعيا مستقلا ، هو دليل شرعي إذا اتكأ على دليل فقهي نقبله ، إذا وافق حكما فقهيا أو أمرا شرعيا نقبله ، أما إذا خالف نرفضه وانتهى الأمر .
سيدنا ابن مسعود يقول : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ ، أخذ هذا من الأثر : لا تجتمع أمتي على ضلالة.
يعني أن النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده بينما أمته معصومة بمجموعها ، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة لذلك ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ ، لكني أقف عند كلمة ( ما رآه المسلمون الملتزمون الصادقون ) "
وما قاله هنا خطأ فبين النبى(ص) ليس معصوما من الخطأ وهو عمل الذنوب لقوله تعالى"واستغفر لذنبك" وقوله " إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
النصوص ظاهرة وتمنع العصمة المزعومة فى الذنوب والعصمة هى من أذى الناس كما قال تعالى " والله يعصمك من الناس"
والأمة ليست معصومة من الضلالة فالنبى (ص)والمسلمون معه دافعوا عن المجرم واتهموا البرىء حتى نزل وحى الله ناهيا لهم عن ذلك فقال :
"إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ومن يكسب خطيئة أو إثما ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم"
وبين أن نظرات الناس تختلف فقال:
"لكن بين المسلمين حاليا من يرون أن ارتياد الفنادق في أعياد الميلاد شيء مقبول ، يرونه حسنا ، المقصود المسلم الصادق الملتزم نظرته سليمة ، أما المسلم المتفلت فرؤيته معكوسة ونظره سقيم ."
وحدثنا عن قولة مجنونة هى الثابت بالعرف كالثابت بالنص فقال :
العلماء قالوا الثابت بالعرف كالثابت بالنص ، يعني حاليا تجد عرفا بالحقل التجاري خلاصته أن إنسانا عنده موظف يريد أن ينهي عمله فهناك عرف أن يعطيه عن كل سنة راتب شهر تعويضا ، هذا عرف جيد لا شيء فيه ، وهناك من يعترض على هذا العرف أحيانا ، لكن الحق أنه عرف جيد لأن ذاك العامل يحتاج إلى فترة من الزمن حتى يجد عملا فلا بد له من مبلغ يعيش به وهذا المبلغ هو التعويض .
الثابت بالعرف كالثابت بالنص ، والعادة محكمة أي معمول بها ، لكن واحدا قرأ العادة محكمة والصواب العادة محكمة أي تحكم في التشريع الوضعي وهي العادة التي تتوافق مع الشرع .
وبعد ، عندنا مشكلة وهي أنك قد تقرأ عن حكم شرعي قبل مائتي عام ولم تقبله الآن لأن الأعراف تغيرت ، فأحيانا تبنى الأحكام الشرعية على الأعراف التي لا تخالف التشريعات الإلهية ، فحينما تتبدل هذه الأعراف تتبدل معها الأحكام ، يعني كان قديما العم والد ، والشرع الحكيم لم يعط الأولاد نصيب أبيهم المتوفى في حياة أبيه ، لكن حينما أخذ العم نصيب أخيه فهو ملزم بتربية أولاد أخيه ما امتد به العمر حتى يكبروا ، أما حينما تقاطع الناس وتدابروا وقلت العاطفة بين الأعمام وبين أولاد الأخ جاء التشريع الوضعي فألزم الناس بالوصية الواجبة وهي إذا مات الأب في حياة أبيه يأخذ أولاده حصته من الإرث كما لو كان حيا ،فمن الأعراف أن أولاد الأخ كالأخ تماما ، يعني يربي أولاد أخيه إذا مات كأنهم أولاده تماما ، لكن هناك أعمام يملكون مئات الملايين وأولاد أخيهم لا يملكون ثمن الطعام ولا يلتفت الأعمام إليهم ، فاختلت معايير الأعراف ."
قطعا العرف ليس ثابتا لأن الثابت هو نص الوحى ولا توجد مسألة ليس فيها نص كما قال تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
ومن ثم لا يمكن أن يقول فقيه أن الثابت بالعرف كالثابت بالنص لأنه ينفى وينسف الشرهع بكلمة كهذه
وتحدث النابلسى عن بعد ألأعراف فقال :
"الآن أضع بين أيديكم بعض الأحكام الشرعية التي لها علاقة بالأعراف ، الفواكه والخضراوات تنضج تباعا ، واحد مثلا ضمن حقلا من البطيخ ، البطيخ ينضج خلال تسعين يوما ، وكل يوم يستطيع الإنسان أن يجني ما يملأ سيارة ، فكيف يبيع هذا البطيخ ، النبي اشترط ألا تبيع الثمر إلا إذا بدا صلاحه ، هناك ثمار يتلاحق نضجها، وبعض الخضراوات يتلاحق نضجها ، العرف يقتضي أن تباع دفعة واحدة فتضمن ، إذا هذا استثناء من القاعدة ، العرف يقتضي ذلك ، وقد علمنا أن الفواكه والخضراوات تنضج تباعا ، فإذا حكمنا النص الشرعي أنه لا يجوز أن تبيع شيئا حتى يبدو صلاحه فممنوع أن تبيع هذا الحقل ، حقل البندورة مثلا لأنه ينضج تباعا ، هذه حالة .
النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن أن تباع ثمرة حتى تنضج ، طيب ،"
بداية فى المجتمع المسلم الحقيقى لا توجد مثل هذه البيوع لأن الأرض بكل ما فيها وما عليها تدار من قبل المجتمع ككل والكل يقتسم أرباح العمل فيها بالعدل ولكن فى المجتمعات التى يعاش فيها بدون حكم الله ألزم المسلمين أن يكتبوا التجارة غير الحاضرة ويشهدوا عليها الشهود وهى تجارة الشىء الغائب فى عقد ملزم فقال تعالى :
" إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم "
ومن ثم لا يمكن أن ينهى عن النبى(ص) عن كل التجارة الغائبة ثم قال :
"عقود الاستصناع عقود على أشياء معدومة ، عقود الإيجار .. الإيجار تملكت منفعته لكنك ما تملكت رقبة ، أعطيت الأجرة سلفا مقابل أي شيء ، المعاطاة عقد بيع من دون إيجاب وقبول ، بيع السلم تشتري شيئا ما ظهر بعد ، تشتري قمحا لم ينبت ، تشتري صوفا لم ينبت على ظهر الماشية، فبيع المسلم وعقد الإيجار وعقد الاستصناع وبيع المعاطاة ، مثلا إنسان دخل الحمام دفع الأجرة خمسين ليرة يا ترى كم له أن يبقى في الحمام ؟ ما في شرط ، كم له أن يستهلك من الماء ؟ ما في شرط ، هنا تجد جهالة في الشروط ، قد يجلس الإنسان في مكان يا ترى أيجلس ساعة أو أقل أو أكثر ؟ ليس هناك تحديد ، هذا كله خلاف قواعد الشرع الصارمة ، هذا أيضا من العرف .
أحيانا تستأجر إنسانا بطعامه ، طيب الطعام فيه جهالة ، ماذا سوف تطعمه ؟ يعني هذا عرف الطعام وله وجبة لا تقل عن حد معين ولا تزيد ، وأوضح مثل بيع المعاطاة كما قلت قبل قليل ليس فيه إيجاب وقبول وليس هناك شاهدان ، ليس فيه بعتك وبعتني ، تدفع المبلغ وتأخذ الحاجة وتأكلها وتمشي ، تدفع المبلغ وتشرب الكأس وتمشي .
قد تشتري حاجة ويقال لك معها كفالة سنة ، النبي يقول لا بيع وشرط ، يشترط في بيع هذه الحالة أن تضمن الشركة المقدمة أن تقدم كفالة سنة ، فمثلا بالسيارات يعطون كفالة سنة أو خمسين ألف كيلومتر ، دون خمسين ألف كيلو متر مضمون تصليحها على حساب الشركة أو سنتين ، هذا صار بيع وشرط ، لكن صار في منافسة في البيع ، فهذه الشركة تقدم ضمانة للمشتري أن أي عطب يصيب المركبة دون الخمسين ألف كيلومتر أو قبل سنتين فالتصليح على حساب الشركة ، هذا عرف جرى العمل به وهو مقبول .
أحيانا تشتري قماشا ليخيطه لك الخياط ، صار بيع وشرط ، تشتري قمحا ليطحنه لك الطحان، تشتري طحينا ليخبزه لك الخباز ، فإذا اشتريت شيئا وشرط خبزه أو خياطته هذا صار بيعا وشرطا ، فهذه الأعراف تجيز مخالفة الأحكام الفقهية .
نحن عندنا قاعدة أساسية في الفقه : لا يجوز أن تأخذ أجرا على طاعة ولا على واجب ، فأنت حينما تقرأ القرآن أو تعلم القرآن فهذا واجب لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
خيركم من تعلم القرآن وعلمه .…………(صحيح البخاري 4639)"
القاعدة التى قال النابلسى بوجودها خارجة على وحى الله فكل عمل واجب أو اختيارى بين عدة واجبات عليه أجر لقوله تعالى :
" من جاء بالحسنة فله عشر أمثألها " وفى الرواية أن واجب جماع الأزواج عليه أجر لأنه لو جامع فى الحرام كان عليه وزر
وتحدث النابلسى عن التعليم الحالى فقال:
"أما عمليا نحن عندنا مليون ونصف طالب في القطر في التعليم الإعدادي والثانوي أو مليونا طالب ، فإذا كان كل خمسين طالبا يحتاجون إلى أستاذ فإذا تحتاج إلى خمسمائة أستاذ ديانة ، أفمعقول أن نلزم خمسمائة إنسان أن يعملوا في الأسبوع ستة أيام وكل يوم ست ساعات لوجه الله تعالى ؟ هذا غير معقول ، فكل منهم يحتاج إلى أن يأكل ، يحتاج إلى أن يتزوج وأن يسكن في بيت ، لذلك ينصرف عن التعليم إلى صنعة ، ويبقى الطلاب بلا دين وبلا قرآن وبلا فقه، لذلك فالعرف حاليا يقتضي أن تعطي راتبا لكل من يعلم القرآن ، نحن عندنا شيء اسمه مدرس مادة تربية إسلامية يحمل شهادة في الشريعة ويتعين ويتقاضى راتبا طوال حياته ، أما بحسب الأحكام الفقهية فلا يجوز أن تتقاضى أجرا على أداء عمل أمرك به الشرع ، قد أمرك الله أن تعلم القرآن .
وكذلك المؤذن ؛ فرغنا إنسانا خمسة أوقات ليؤذن ، لو قلت له لا يجوز أن تأخذ على الأذان أجرا يقول لك من أين آكل ؟ إذا يجوز أن نعطي الإمام والمؤذن وكل من يعمل في الحقل الدعوي راتبا يكفي مؤونة التفرغ .
كذلك تجهيز الميت ودفنه عمل تطوعي يفعله المسلمون وهو فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل ، ممكن الآن أن تكفل إنسانا ينتقل من بيت إلى بيت ، وعندنا في الشام ثمانون جنازة كل يوم يتنقل من بيت إلى بيت يغسل ويجهز ويكفن ويدفن لوجه الله ، ليست مقبولة حاليا ، لا بد من موظف في دفن الموتى ، موظف يغسل ، وموظف يؤذن ، وهكذا .
بيع العربون منهي عنه ، لكن أحيانا يكون في ضرر ثابت فأنت يمكن أن تحصل الضرر من هذا العربون ، أما أن تأخذه بلا ضرر فلا يجوز ، النبي عليه الصلاة والسلام قال :
لا ضرر ولا ضرار . (سنن ابن ماجة 2331)"
قطعا الأمثلة المضروبة تدل على خلل فى فهم الإنسان فلا يوجد عمل دون مقابل أى معاش فالرسول (ص) نفسه لم يكن عمل عملا وظيفيا يجلب المال ولذا قرر الله ما يكفى احتياجاته هو وأسرته من الفىء والغنيمة وغيرهم لأنه لو عمل عملا وظيفيا كنجار أو حداد أو تاجر سوف ينشغل عن وظيفة الدعوة من تعليم ودعوة لأنه لن يجد وقتا للتعليم والدعوة وسيجهد بدنيا بسبب ذلك ومن ثم فرواتب وهى أجور المعلمين والآعلاميين وغيرهم من الممارسين لعمل خدمى أجورهم المالية واجبة فى الشرع
ثم قال:
يمكن أن يحصل خلاف في أسعار المحاصيل الكبيرة ، يحددون يوما في هذا اليوم على أي سعر استقر هذا المحصول يكون أساس الحساب ، أيضا هذا وفق العرف ، أنا آتيكم بأمثلة كثيرة كيف أن مصلحة المسلمين استقرت على هذه الأعراف ، مادامت المصلحة استقرت والناس يفعلونه حلا لمشكلة قائمة إذا يمكن أن تستنبط الأحكام الشرعية الاستثنائية من الأعراف.
إن محور الدرس وأساس الدرس أن كل شيء يؤخذ من العرف يجب أن يكون موافقا للشرع، يعني إذا لم يكن موافقا فعلى الأقل ألا يصدم نصا ، يعني هناك أشياء الشرع ما ذكرها لا إيجابا ولا سلبا ، فالأصل في الأشياء الإباحة ، أو الأصل في الأقوال والأفعال الإباحة ، الناس أحيانا يجتمعون وكل إنسان يدفع ألف ليرة في الشهر ، وهم عشرة ، فعشرة آلاف ليرة يعطونها لواحد ، كل شهر يأخذها واحد بالقرعة ، الشرع ما ذكر هذا لا إيجابا ولا سلبا لكن لا شيء فيها مخالف للشرع فهذا عرف ما أحد دفع شيئا زيادة ولا خسر ، ليس فيها يانصيب ، دفع ألفا كل شهر وأخذها دفعة واحدة .
لذلك الأصل في الأشياء الإباحة ، ونضيف على الأشياء الأفعال ، فأفعال كثيرة الأصل فيها الإباحة ، لا يحرم شيء إلا بنص ، عندنا البيع والشراء وقطف الثمار ، عندنا عرف بتضمين الثمار ، عندنا حالات كثيرة والأعراف هي في الحقيقة حل لكل مشكلة ، حل جماعي مقبول ، مادام لا يصادم نصا ولا يعارض أمرا ولا يحل حراما ولا يحرم حلالا إذا فالعرف مقبول ، فصار العرف نوع من الضرورات التي تبيح المحظورات ، يعني ضرورة جماعية والمجتمع حلها على نحو لا يخالف الشرع ، إذا تؤخذ هذه حجة في مخالفة المحظورات .
أحيانا الإنسان يبيع سيارة ويتفق على الثمن ، ويقبض ثمن السيارة ويشترط أن تبقى معه شهرا في الصيف إلى أن ينتهي شهر الصيف فهذا ممكن ، فهو لا بيع ولا شرط لكن تقتضي المصالح ذلك ، هذا إنسان يريد أن يسافر بعد شهر ويريد أن يبيع سيارته ، فإنسان أعجبته السيارة واشتراها بثمن معقول قال له بشرط أن تبقى معي حتى أسافر، ليس من مانع ، أشياء كثيرة يفعلها الناس بحكم العادة والعرف ، وهذه الأشياء لا تصادم نصا ولا تحل حراما ولا تحرم حلالا ، تعد هذه في حكم الضرورات التي تبيح المحظورات ، والعادة محكمة ، والمسلمون عند شروطهم ، والعرف : إذا رأى الناس شيئا حسنا أقرهم الله عليه ، وفي القرآن آيات كثيرة تؤكد العمل بالعرف ، بالمعروف يعني بما تعارف الناس عليه ، يقول لك يا ترى هل على الحلي زكاة ؟ الجواب: الحلي المعدة للاستعمال وما تعارف الناس على قدره لا زكاة فيه عند بعض المذاهب ، يعني امرأة يكون عندها أسوارة وقرط وعقد مثلا فهذا معروف ، أما أن يكون عندها عشرون أسوارة فهذه ليس حليا ، هذا صار مالا ، فالحلي التي تعارف الناس ما كان بحجم معتدل يصلح للاستعمال فهذا معفى من الزكاة عند بعض المذاهب .
والإنسان أحيانا يضعف أمام قوة المجتمع ، وأمام ضغط الأعراف و التقاليد ، فالمؤمن عنده ميزان ، فأي عرف أو أي تقليد خالف منهج الله عز وجل يرفضه ولا يعبأ به ، والنبي دعي إلى حلف الفضول وأثنى عليه ثناء كبيرا ، وهو اتفاق ينص على أن ينصر المظلوم وأن يعطى كل ذي حق حقه وهذا كان في الجاهلية ، قال عليه الصلاة والسلام لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت .
يعني أنت لا تكن بعيدا عن المجتمع ، إذا كان هناك اتفاق تعاون سكني ليس فيه ربا وليس هناك مانع شرعي ، وإذا كان اتفاق لحل مشكلة والناس اجتمعوا وقرروا فلا عليك ، وكل شيء لا يعارض نصا شرعيا ولا يحل حراما ولا يحرم حلالا فليس فيه مانع فلا بأس ، فدائما مقياسك الشرع ، كل من ترك ميزان الشرع من يده لحظة هلك، اجعل الشرع ميزانا ، سواء كان في الزواج ، أو في الولادة فالأعراف كثيرة لازم كأن يقدم الناس كراوية عند الولادة ليس هناك مانع وهذه لا تحل حراما ، مادة مسموحة والضيافة واردة ، وإطعام الطعام وارد، إذا الأعراف في الولادة وفي الزواج والطلاق والحياة والموت ، والسفر ، هذه الأعراف مقياسها الشرع ، فلا نخالف الشرع ولا نحل حراما ولا نحرم حراما وليس هناك مانع ، أما إن كانت تصادم الشرع فيجب أن نقف موقفا شديدا إزاءها .
أساس الأعراف حل لمشكلة حلا جماعيا ، فالشرع عد العرف مصدرا تشريعيا ، العادة محكمة والمسلمون إذا استحسنوا شيئا فالشرع حسنه "
قطعا الأعراف ناتجة من الحياة فى مجتمعات لا تحكم بحكم الله لأن كما سبق القول كل أمر فى الحياة له نص فيه كما قال تعالى "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
ومن ثم فالحل والحرمة فى الأعراف راجع إلى أن مجتمعاتنا التى نعيش فيها هى التى اضطرت الناس فى الغالب للعمل بتلك الأعراف فلو حكم الحكام بشرع الله ما لجأ الناس لاختراع التشريعات التى سموها الأعراف التى هى تحايل على الشرع فى الغالب وتحايل على الحكام للوصول للحصول على ما يكفى الناس من مال للحياة فكما قيل الظلم يولد الظلم ومن ثم لا تنتهى عجلة الظلم إلا بإقامة الشرع كاملا فعند ذلك تتوقف الأعراف عن الخروج للوجود
رضا البطاوى- المساهمات : 1595
تاريخ التسجيل : 28/04/2020
مواضيع مماثلة
» قراءة فى كتاب العرف
» قراءة فى كتاب البشعة بين العرف والشرع
» نقد كتاب تأثير العرف في تحديد معنى الكفاءة في الزواج
» قراءة فى كتاب الزيادات في كتاب الفتن والملاحم الطارقات
» قراءة في كتاب جزء فيه أحاديث مستخرجة من كتاب الخلافة
» قراءة فى كتاب البشعة بين العرف والشرع
» نقد كتاب تأثير العرف في تحديد معنى الكفاءة في الزواج
» قراءة فى كتاب الزيادات في كتاب الفتن والملاحم الطارقات
» قراءة في كتاب جزء فيه أحاديث مستخرجة من كتاب الخلافة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 6:51 am من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى كتاب موقف علي في الحديبية
أمس في 6:42 am من طرف رضا البطاوى
» عمر الرسول (ص)
الجمعة نوفمبر 22, 2024 6:50 am من طرف رضا البطاوى
» قراءة فى قصة طفولية المسيح عيسى(ص)
الخميس نوفمبر 21, 2024 6:18 am من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى بحث خطأ في فهم مراد الفضيل بن عياض بخصوص ترك العمل لأجل الناس
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 6:41 am من طرف رضا البطاوى
» شراء أجهزة كهربائية مستعمله بالرياض
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 8:52 pm من طرف شيماء أسامة 272
» نظرات فى قصة هاروت وماروت
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:50 am من طرف رضا البطاوى
» أكذوبة سرقة قصة إنقاذ إبراهيم من نار نمرود
الإثنين نوفمبر 18, 2024 6:44 am من طرف رضا البطاوى
» نظرات في مقال السرقة المزعومة لسورة مريم
الأحد نوفمبر 17, 2024 6:57 am من طرف رضا البطاوى